فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما الغزالي رحمه الله فإنه نقل عن أبي طالب المكي عن بشر الحافي أنه قال: من لم يخشع فسدت صلاته.
وعن الحسن رحمه الله: كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع.
وعن معاذ بن جبل: من عرف من على يمينه وشماله متعمدًا وهو في الصلاة فلا صلاة له.
وروي أيضًا مسندًا قال عليه السلام: «إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها» وقال عبد الواحد بن زيد: أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل، وادعى فيه الإجماع إذا ثبت هذا فنقول هب أن الفقهاء بأسرهم حكموا بالجواز، أليس الأصوليون وأهل الورع ضيقوا الأمر فيها، فهلا أخذت بالاحتياط فإن بعض العلماء اختار الإمامة، فقيل له في ذلك فقال: أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي، وإن قرأتها مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة، فاخترت الإمامة طلبًا للخلاص عن هذا الاختلاف، والله أعلم.
الصفة الثالثة: قوله تعالى: {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} وفي اللغو أقوال: أحدها: أنه يدخل فيه كل ما كان حرامًا أو مكروهًا أو كان مباحًا، ولكن لا يكون بالمرء إليه ضرورة وحاجة وثانيها: أنه عبارة عن كل ما كان حرامًا فقط، وهذا التفسير أخص من الأول وثالثها: أنه عبارة عن المعصية في القول والكلام خاصة، وهذا أخص من الثاني ورابعها: أنه المباح الذي لا حاجة إليه، واحتج هذا القائل بقوله تعالى: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أيمانكم} [المائدة: 89] فكيف يحمل ذلك على المعاصي التي لابد فيها من المؤاخذة، واحتج الأولون بأن اللغو إنما سمي لغوًا بما أنه يلغي وكل ما يقتضي الدين إلغاءه كان أولى باسم اللغو، فوجب أن يكون كل حرام لغوًا، ثم اللغو قد يكون كفرًا لقوله: {لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] وقد يكون كذبًا لقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاغية} [الغاشية: 11] وقوله: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا} [الواقعة: 25] ثم إنه سبحانه وتعالى مدحهم بأنهم يعرضون عن هذا اللغو والإعراض عنه، هو بأن لا يفعله ولا يرضى به ولا يخالط من يأتيه، وعلى هذا الوجه قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان: 72] واعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس الذين هما قاعدتا بناء التكليف وهو أعلم.
الصفة الرابعة: قوله تعالى: {والذين هُمْ للزكواة فاعلون} وفي الزكاة قولان: أحدهما: قول أبي مسلم: أن فعل الزكاة يقع على كل فعل محمود مرضي، كقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} [الأعلى: 14] وقوله: {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32] ومن جملته ما يخرج من حق المال، وإنما سمى بذلك لأنها تطهر من الذنوب لقوله تعالى: {تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
والثاني: وهو قول الأكثرين أنه الحق الواجب في الأموال خاصة وهذا هو الأقرب.
لأن هذه اللفظة قد اختصت في الشرع بهذا المعنى، فإن قيل إنه لا يقال في الكلام الفصيح إنه فعل الزكاة، قلنا قال صاحب الكشاف: الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى، فالعين القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير، والمعنى فعل المزكى الذي هو التزكية وهو الذي أراده الله تعالى فجعل المزكين فاعلين له ولا يسوغ فيه غيره، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل.
ويقال لمحدثه فاعل، يقال للضارب فاعل الضرب، وللقاتل فاعل القتل، وللمزكى فاعل الزكاة، وعلى هذا الكلام كله يجوز أن يراد بالزكاة العين، ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء فإن قيل إن الله تعالى هناك لم يفصل بين الصلاة والزكاة، فلم فصل هاهنا بينهما بقوله: {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ}؟ قلنا لأن الإعراض عن اللغو من متممات الصلاة.
الصفة الخامسة: قوله تعالى: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}.
وفيه سؤالات:
السؤال الأول: لم لم يقل إلا عن أزواجهم الجواب: قال الفراء معناه إلا من أزواجهم وذكر صاحب الكشاف فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه في موضع الحال أي إلا والين على أزواجهم أو قوامين عليهن من قولك كان فلان على فلانة، ونظيره كان زياد على البصرة أي واليًا عليها، ومنه قولهم فلانة تحت فلان ومن ثم سميت المرأة فراشًا.
والمعنى أنهم لفروجهم حافظون في كافة الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسريهم وثانيها: أنه متعلق بـ محذوف يدل عليه {غير ملومين} كأنه قيل يلامون إلا على أزواجهم أي يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه وهو قول الزجاج وثالثها: أن تجعله صلة لحافظين.
السؤال الثاني: هلا قيل من ملكت الجواب: لأنه اجتمع في السرية وصفان: أحدهما: الأنوثة وهي مظنة نقصان العقل والآخر كونها بحيث تباع وتشتري كسائر السلع، فلاجتماع هذين الوصفين فيها جعلت كأنها ليست من العقلاء.
السؤال الثالث: هذه الآية تدل على تحريم المتعة على ما يروى عن القاسم بن محمد الجواب: نعم وتقريره أنها ليست زوجة له فوجب أن لا تحل له، وإنما قلنا إنها ليست زوجة له لأنهما لا يتوارثان بالإجماع ولو كانت زوجة له لحصل التوارث لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكم} [النساء: 12] وإذا ثبت أنها ليست بزوجة له وجب أن لا تحل له لقوله تعالى: {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} وهو أعلم.
السؤال الرابع: أليس لا يحل له في الزوجة وملك اليمين الاستمتاع في أحوال كحال الحيض وحال العدة وفي الأمة حال تزويجها من الغير وحال عدتها، وكذا الغلام داخل في ظاهر قوله وتعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} والجواب: من وجهين: أحدهما: أن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن الاستثناء من النفي لا يكون إثباتًا واحتج عليه بقوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي» فإن ذلك لا يقتضي حصول الصلاة بمجرد حصول الطهور وحصول النكاح بمجرد حصول الولي.
وفائدة الاستثناء صرف الحكم لا صرف المحكوم به فقوله: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إِلاَّ على أزواجهم} معناه أنه يجب حفظ الفروج عن الكل إلا في هاتين الصورتين فإني ما ذكرت حكمهما لا بالنفي ولا بالإثبات الثاني: أنا إن سلمنا أن الاستثناء من النفي إثبات، فغايته أنه عام دخله التخصيص بالدليل فيبقى فيما وراءه حجة.
أما قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ العادون} يعني الكاملون في العدوان المتناهون فيه. اهـ.

.قال الجصاص:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.
رَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} نَكَّسَ رَأْسَهُ».
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} خَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ فَكَانَ الرَّجُلُ يُحِبُّ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ».
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ: الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَالزُّهْرِيِّ: الْخُشُوعُ السُّكُونُ.
وَرَوَى الْمَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ: سُئِلَ على عَنْ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} قَالَ: الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ وَأَنْ تَلِينَ كَنَفَك لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ وَلَا تَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِك. وَقَالَ الْحَسَنُ: خَاشِعُونَ خَائِفُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْخُشُوعُ يَنْتَظِمُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا مِنْ السُّكُونِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّذَلُّلِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ وَالْحَرَكَةِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تعالى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فِي الصَّلَاةِ» وَقَالَ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًاة»، وَأَنَّهُ «نَهَى عَنْ مَسِّ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ» وَقَالَ: «إذَا قَامَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَتْ عَنْهُ».
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَلْمَحُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَلْتَفِتُ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي السَّلُولِيُّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: «مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟» قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَارْكَبْ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ فِي أَعْلَاهُ وَلَا يُغِرْنَ مِنْ قِبَلِك اللَّيْلَةَ» فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مُصَلَّاهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: «هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَسْنَاه، فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ حَتَّى إذَا قَضَى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ».
فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا عِنْدَنَا كَانَ عُذْرًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ مَجِيءِ الْعَدُوِّ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَالثَّانِي: اشْتِغَالُ قَلْبِهِ بِالْفَارِسِ إلَى أَنْ طَلَعَ.
رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا.
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ إذَا صَلَّى لَمْ يَقُلْ هَكَذَا وَلَا هَكَذَا قَالَ: لَكِنَّا نَقُولُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَنَكُونُ مِثْلَ النَّاسِ.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الِالْتِفَاتَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ أَنْ يُوَلِّيَ وَجْهَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فَأَمَّا أَنْ يَلْحَظَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ.
رَوَى سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ ثَوْبٌ مُلْقًى.
وَرَوَى أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ خَفَضَ فِيهَا صَوْتَهُ وَبَدَنَهُ وَبَصَرَهُ.
وَرَوَى على بْنُ صَالِحٍ عَنْ زُبَيْرِ الْيَامِيِّ قَالَ: «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ».
قَوْله تعالى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} وَاللَّغْوُ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَمَا كَانَ هَذَا وَصْفُهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَهُوَ مَحْظُورٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّغْوُ الْبَاطِلُ. وَالْقَوْلُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ هُوَ الْبَاطِلُ، وَإِنْ كَانَ الْبَاطِلُ قَدْ يُبْتَغَى بِهِ فَوَائِدُ عَاجِلَةٌ.
قَوْله تعالى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَامًّا فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ إذَا اجْتَمَعَا غَلَبَ الْمُذَكَّرُ كَقَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} قَدْ أُرِيدَ بِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} خَاصٌّ فِي الرِّجَالِ بِدَلَالَةِ قَوْله تعالى: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ أُرِيدَ بِهِ الرِّجَالُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ عَامًّا فِي الْجَمِيعِ وَالِاسْتِثْنَاءُ خَاصٌّ فِي الرِّجَالِ، كَقَوْلِهِ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ جَاهَدَاك لِتُشْرِكَ بِي} فَالْأَوَّلُ عُمُومٌ فِي الْجَمِيعِ وَالْعَطْفُ فِي بَعْضِ مَا انْتَظَمَهُ اللَّفْظُ، وَقَوْلُهُ: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} عَامٌّ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ، وَهُوَ حِفْظُهَا مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ بِهَا.
قَوْله تعالى: {فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} يَقْتَضِي تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ؛ إذْ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا مَمْلُوكَةِ يَمِينٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
فِي قَوْلِهِ: {وَرَاءَ ذَلِكَ} مَعْنَاهُ: غَيْرَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {الْعَادُونَ} يَعْنِي مَنْ يَتَعَدَّى الْحَلَالَ إلَى الْحَرَامِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِحِفْظِ الْفُرُوجِ وَإِخْبَارٌ عَنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ حَظْرَ مَا عَدَا هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ فِي الزَّوْجَاتِ وَمِلْكِ الْأَيْمَانِ، وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ وَطْءِ الزَّوْجَاتِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِيهِنَّ.
إنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ عُمُومًا فِي إبَاحَةِ وَطْئِهِنَّ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ وَطْؤُهُنَّ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَوَطْءُ الْأَمَةِ ذَاتِ الزَّوْجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قِيلَ لَهُ: قَدْ اقْتَضَى عُمُومُ اللَّفْظِ إبَاحَةَ وَطْئِهِنَّ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، إلَّا أَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى تَخْصِيصِ مَنْ ذَكَرْت كَسَائِرِ الْعُمُومِ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ بَقَاءَ حُكْمِ الْعُمُومِ فِيمَا لَمْ يُخَصَّ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ مَتَى أُطْلِقَ عُقِلَ بِهِ الْأَمَةُ وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكَانِ، وَلَا يَكَادُ يُطْلَقُ مِلْكُ الْيَمِينِ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ، لَا يُقَالُ لِلدَّارِّ وَالدَّابَّةِ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَخَصُّ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الدَّارِ بِالنَّقْضِ وَالْبِنَاءِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي بَنِي آدَمَ وَيَجُوزُ عَارِيَّةُ الدَّارِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعُرُوضِ وَلَا يَجُوزُ عَارِيَّةُ الْفُرُوجِ؟. اهـ.